فى أعقاب أزمة فيلم "المهاجر"، كتب الناقد السينمائى الكبير الذى فقدناه منذ يومين، سمير فريد، عددا من المقالات الهامة، بدت وكأنها محاكمات ضد من ينصبون أنفسهم دعاة الفضيلة فى الفن.
ما كتبه سمير فريد، كان نواة كتاب ربما هو الأهم من بين مؤلفاته، وهو كتاب "تاريخ الرقابة على السينما فى مصر".
الكتاب صدر منه طبعة جديدة خلال العام الماضى عن مكتبة الأسرة، ليتاح أكثر للجمهور الذى لم يحالفه الحظ لمشاهدة طبعته الأولى، التى صدرت فى عام 2001.
توقيت طرح الكتاب ولاشك دال بشدة، لاسيما بعد الضجة التى أثيرت بسبب فيلم "المهاجر" للمخرج الراحل يوسف شاهين فى منتصف التسعينيات، والدعوى القضائية التى أقيمت ضده وطالبت بمنع الفيلم من العرض بسبب ما ادعى مقيمو الدعوى من أن شاهين قدم صورة تجسيدية للنبى يوسف عليه السلام، فضلا عن المغالطات التى قالوا إنها مخالفة للرواية القرآنية، إضافة إلى نوعية الاتهامات التى نقرأ عنها هذه الأيام، من الإساءة إلى التاريخ الفرعونى والمصرى.
المحكمة قضت فى البداية بمنع عرض الفيلم، إلا أن شاهين استأنف على الحكم، وتم قبول استئنافه وعاد الفيلم إلى الحياة بعد أشهر من منعه.
الرقابة المقصودة هنا، والتى حذر منها سمير فريد منذ نحو أكثر من 20 عاما، هى رقابة محتكرى الأخلاق، الذين يتسترون وراء حائط جامد وراسخ إلى حد التيبس باسم "الحياء العام" أو "الذوق العام"، وليس المقصود جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.
يقول فريد فى مقدمة الكتاب إن "الرقابة كما وصفها جودار ذات يوم "جوستابو على الروح"، وسوف يظل كل مبدع فى العالم يرى فى الرقابة أيا كانت، قيدا على حريته فى التعبير. ولكن الرقابة سوف تظل قائمة طالما أن هذا المبدع أو ذاك يعيش فى دولة، وسوف يظل الصراع بين المبدعين وبين الرقابة ما بقى الإبداع وما بقيت الدولة".
صدر أول قانون للرقابة بمصر فى نوفمبر من عام 1881، وقال أحمد عرابى إن الغرض منه إيقاف سيل الصحف الوطنية واندفاعها الثورى والقضاء على حرية الصحافة. وفى 1904 تم تعديل القانون وأضيفت إليه الرقابة على الأفلام السينمائية، حيث كانت العروض السينمائية قبل ذلك "بدأت في 1896" خاضعة لرقابة الشرطة!
فى 1911 صدرت لائحة "التياترات"، التى نصت على وجود مكتب فنى بوزارة الداخلية يتولى مراقبة دور المسرح والسينما والصحف وكافة المطبوعات.
الثابت تاريخيا، ومن واقع ما كتبه سمير فريد فى كتابه، أن الفن ممثلا فى السينما والمسرح، فضلا عن الصحافة فى هذه الفترة، خاضت معارك شرسة مع رقابة الداخلية، حتى دخل على الخط الأزهر الشريف عندما طالب بمنع يوسف وهبى من السفر إلى تركيا لتجسيد شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، فى فيلم تركى "أى غير خاضع لقوانين الدولة المصرية".
وقالت مشيخة الأزهر فى بيان أصدرته فى مايو 1926، إنها اهتمت بالأمر وخاطبت وزارة الداخلية فى الحيلولة بين حضرة يوسف بك، وبين ما يريد ولو اقتضى الحال منعه من السفر، حفاظا لكرامة النبى ومقامه الجليل.
معركة فيلم "لاشين" أيضا كانت من بين المعارك الكبرى التى خاضتها السينما مع الرقابة، التى منعته بعد أن صرحت بعرضه فى 17 مارس 1938، لأن به مساس بالذات الملكية!
استمرت المعركة بين الجانبين لفترة كما يروى فريد فى كتابه، وتعددت الأزمات بين مصادرة ومنع وحذف بعض المشاهد، إلى أن جاءت أزمة فيلم "ناجى العلى" فى أواخر الثمانينيات، حيث شنت إحدى الصحف القومية حملة ضارية على نور الشريف، واتهمه أحد رؤساء التحرير الكبار وقتها بأنه يقبض الدولارات ويجسد شخصية رسام متواضع يكره مصر ويسيء إليها فى رسوماته.
ومن المعروف أن ناجى العلى كان له موقف معاتب لمصر ولرئيسها أنور السادات بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو الموقف الذى اتخذه الكثير من المثقفين العرب والمصرييين أيضا.
فى عام 1986، رفع أحد ضباط الشرطة دعوى يطالب فيها بمنع فيلم "للحب قصة أخرى" من إخراج الراحل رأفت الميهى، على أساس وجود مشهد معاشرة جنسية بين بطلى الفيلم، حيث تصور أن المعاشرة كانت حقيقية ولم تكن مجرد تمثيل، وبالفعل تم التحقيق مع المخرج ومع الممثلين يحيى الفخرانى ومعالى زايد فى نيابة الآداب، وأُفرج عنهما بعد ذلك، هذا الضابط معذور، ربما أرَّقَه –فى مراهقته- سؤال وجودى صعب: هل القُبلة فى الأفلام حقيقية أم محض محاكاة؟ لكن يقينه بحقيقة القُبلة سرعان ما انتشله من متاهته الوجودية، ويبدو أنه لم يكن الوحيد المؤرق هنا، فالنيابة التى استجابت للبلاغ وفتحت التحقيق فيه شاركته اليقين ذاته، أو أن القائمين على الرقابة فى مصر كلهم يتشاركون الإدراك نفسه.
ولأن الجهاز الرقابى على الفن لا يكف عن الإدهاش، فإنه أعاد فى التسعينيات وما بعد الألفية، نفس المصطلحات التى كانت تستخدم فى بداية القرن ومع نشأة الرقابة، مثل "صورة مصر أمام العالم" و"المؤامرة الغربية" و"الحرب على الدين وعلى مصر"، فكانت آخر الأزمات التى أوردها سمير فريد فى كتابه أزمة فيلم "الأبواب المغلقة"، للمخرج عاطف حتاتة، الذى اتهمه البعض بسوء النية تجاه الوطن لأنه فيلم ممول من الخارج.
لو أراد الراحل سمير فريد أن يضيف فصولا جديدة عن أزمات أخرى، فسوف يتسع المقام لصفحات وصفحات عن زمن تتكاثر فيه الدعاوى القضائية لمنع أعمال سينمائية بتهمة "خدش الحياء العام".
موقف سمير فريد من الرقابة واضح وضوحا لا لبس فيه، فهو مع الفن والحرية فيما يقدمه الفنانون، حتى وإن مس مقص الرقيب أجزاء من العمل، فالنيجاتيف الأصلى الكامل موجود، والأيام هى فقط ما تحدد موعد عرض النسخة الأصلية من أى عمل.
شكرا لمتابعتكم خبرعن الرقابة على السينما.. كما رآها سمير فريد في بكبوزة ونحيطكم علما بان محتوي هذا الخبر تم كتابته بواسطة محرري مبتدا ولا يعبر اطلاقا عن وجهة نظر بكبوزة وانما تم نقله بالكامل كما هو، ويمكنك قراءة الخبر من المصدر الاساسي لهه من الرابط التالي مبتدا مع اطيب التحيات.