وأنت تبحث عن حقوقك وحريتك الشخصية إياك وأنت تستمتع بها أن تكسر أى أنسان أمامك فكل الكسور يمكن تجبر إلا كسرة القلب فجرح القلب صعب أن يلتئم.
قصتى مثل قصة كثير من البنات، فقد تربيت فى أسرة يعمل فيها الأب والأم لكى يربيا أولادهما ويبذلا كل ما فى وسعهما لإسعادى أنا وأختى وأخى.
كان أبى رجلاً يتسم برجاحة العقل، ويتعامل معى أنا وأختى بمنتهى الثقة والصراحة فى كل أمورنا فلا يمنعنا من الخروج ولكنه يضع لنا مواعيد نعود فيها، كذلك لا يمنعنا من الاختلاط ولكن يسمح لنا بذلك فى ظل احترام عاداتنا وتقاليدنا، وهكذا خلق فينا الثقة فى النفس واحترام الذات.. فصرنا بذلك محل احترام الجميع وصار كل من حولنا يشهد بتربيتنا وسلوكنا ويثنى على اُسلوب تربية أبى وأمى لنا.
إلى أن فاجأنا القدر برحيل أبى، وأنا وأختى ما زلنا فى الجامعة وأخى لا يزال فى الثانوية العامة، فشعرت وكأن جدران البيت الذى يحمينا قد انهارت، وصرت بلا سند لى فى الحياة.
أعلم أن الموت هو الحقيقة الوحيدة فى حياتنا، وهو أكبر مدعاة للحزن الذى يمكن أن نشعر به، ولكن الله رؤوف بعباده، ينزل السكينة علينا، ويزرع الطمأنينة فى قلوبنا فنرضى بقضائه ونعيش على أمل أن نلقى من فقدناهم فى عالم آخر لا موت فيه أو فراق.
فلابد للحياة أن تستمر، وهكذا مضت حياتنا من بعد رحيله وصارت أمى بمثابة الأب والأم لى ولإخوتى، تقوم بدورها ودوره على أكمل وجه وقبل كل ذلك بقى فينا ما زرعه من قيم وخلق واحترام للذات.
كفتاة كانت علاقاتى بالآخرين متوازنة وعندما تخرجت من الجامعة وعملت كنت كثيراً ما ألتقى بمن يرغبون فى الارتباط بى ولكن كانت كلها مجرد علاقات عابرة تنتهى لأسباب قد ترجع لى أو للطرف الآخر.
وهذا أمر طبيعى، ولكن ظلت السنوات تمضى دون أن يكون هناك ارتباط جدى فى حياتى، فبدأ الأمر يؤرق أمى وصارت تشعر بالقلق على مستقبلى، خصوصاً بعد أن تزوجت أختى التى تصغرنى بعامين. إلى أن تمت خطبتى وفسخت لأسباب تتعلق بعائلة خطيبى التى كانت عائلة تتسم بالغموض وعدم الوضوح واعتبرنا البعد عنهم غنيمة ولكن كأية فتاة من عائلة لم تتزوج يبدأ الجميع فى رحلة البحث لها عن عريس!!
فكرة أن يتقدم للبنت كل فترة رجل لا تعرفه لكى ترتبط به فكرة مزعجة لأى فتاة، هكذا كان حالى فلم أكن أتصور يوماً أن أجد نفسى فى هذا الموقف، فكم كنت أتمنى أن أرتبط بمن يحبه قلبى ولكن أحياناً تأخذنا الحياة فى اتجاه لم يكن فى مخيلتنا، فكنت أساير الأمر مرة وأرفضه مرات، إلى أن أفقت على الحقيقة وأنا أحتفل بعيد ميلادى الثلاثين وأدركت أن العمر بدأ يتقدم بى، ووجدت أخى الصغير يحدثنا بأنه يرغب فى الذهاب لخطبة فتاة تعلق بها قلبه ولمحت عين أمى وهى تنظر إليه غاضبة وتقول له "مش وقته لسه بدرى عليك"!
وقتها بدأت أوافق على أن أقابل أى عريس يتقدم لى عن طريق الأهل والأصدقاء لعلى أجد من يناسبنى، فأنا بالفعل أريد أن أتزوج وأتمنى أن تكون لى أسرة وأولاد وحياة، لم يكن تقدم سنى فقط هو ما يقلقنى بل كنت أشعر أيضاً بالخوف وأنا أرى أمى يتقدم بها السن وأدعو الله أن يعطى لها الصحة ولكنى كنت أتساءل أحيانا بينى وبين نفسى ماذا لو رحلت؟ كيف ستكون حياتى بعد أن يتزوج أخى هل سأعيش وحيدة؟ وكيف ستكون حياتى؟ كأى فتاة كنت أحلم بفستان الزفاف الأبيض، وأتمنى أن تأتى اللحظة التى يلتف فيها أهلى وأصدقائى من حولى فرحاً بزفافى.. كنت أحلم بلحظة أنجب فيها طفلا أحتضنه وأعطيه كل الحنان الذى ادخرته له فى قلبى.. نعم أريد أسرة وكياناً أبنيه أنا ومن أتزوجه.. وفى سياق رغبتى أن تتحقق تلك الأمنيات رأيت الكثيرين ممن تقدموا لى!!
وكان منهم من يأتى لمجرد المشاهدة ومن يأتى بشروطه غير القابلة للنقاش وأولها أن أترك عملى، قابلت من يرانى ويبدى موافقة ويذهب ولا يعود بلا أى عذر أو مبرر. وقابلت من دفعته أمه دفعاً لكى يرانى ويكون جالساً أمامى ينظر كل لحظة فى الساعة حتى ينصرف، قابلت المغرور الذى يعطينى الكارت الشخصى وكأنى عميل يعمل معه بدلاً من أن يملى علىَّ رقم الموبايل.. قابلت من كان مقتنعاً بى ثم عرف أنى أبلغ من العمر الرابعة والثلاثين وهو فى التاسعة والثلاثين فيقول لى "لأ أنا عايز واحدة فى العشرينات"!
كنت أشعر بالأسى لحالى إلى أن تقدم لى " ياسر"، وعرفت أنه كان متزوجاً ولديه بنت وولد وطلق زوجته وأقنعتنى أمى أن أقابله وذهبت.. وجدته مقبولاً شكلاً وذا شخصية متزنة، يتحدث بهدوء ولكن يبدو عليه الحزم.. بالطبع سألته عن زيجته الأولى وما إذا كان من الممكن أن يعود لزوجته من أجل أولاده فكان رده أنها أصبحت محرمة عليه أمام الله لأنه طلقها ثلاثة طلقات ولكن ليس رسمياً!! فقلت له أنى لا يمكن الارتباط به إلا بعد أن أرى ورقة الطلاق فوافق وطلب منى أن أعطيه بعض الوقت لكى ينظم أموره وهى فرصة طيبة لكى يتم التعارف بيننا، دار ذلك الحديث بيننا فى وجود أخى الذى أبدى لى عدم ارتياحه لهذا الموقف ولكن فى النهاية أعطى لى فرصة التفكير وحسم أمورى.
تقابلت مع ياسر أكثر من مرة وكان يكلمنى على الموبايل باستمرار، كان يسأل عن موعد عودتى إلى المنزل ويغضب إذا تأخرت، تحدثنا كثيراً عن أسباب خلافه مع زوجته السابقة التى كان يرى أنه فعل المستحيل من أجلها ولكنها لم ترض بل كانت سليطة اللسان وكثيرة الطلبات فكانت تخرجه دائماً عن شعوره.
لاحظت أنه إنسان عنيد، لديه عزة نفس ولا يُغيِّر رأيه بسهولة، ولكن جذبتنى إليه الرغبة فى الشعور بأن هناك من يهتم بأمرى.
بعد مضى 4 أشهر على تعارفنا، أبدت أمى قلقها وأنه قد حان الوقت لأن يحسم أمره، فتكلمت معه وطلبت منه ما وعد به فأخذ يناقش فاتفقنا على أن نلتقى وحددنا الموعد ووعد أن يكلمنى لتحديد المكان ومرت 6 أشهر حتى الآن ولم يكلمنى ولم يحدد الموعد بل أغلق الموبايل واختفى من حياتى!!
احترت من هذا السلوك من جانبه، إلى أن أدركت أنه يريد أن يتزوجنى دون أن يطلق زوجته رسمياً لأنه رجل أنانى، يعلم أنه طلقها ثلاث طلقات فأصبحت محرمة عليه ولكنها لا تستطيع أن تتزوج أو تكمل حياتها دون ورقة رسمية تثبت ذلك بينما يستطيع هو أن يتزوج ويعيش حياته وهى تربى أولاده ويقوم بإذلالها!! حمدت الله حمداً كثيراً أننا لم نرتبط فربما لو كنت قد تزوجته لتكرر معى ما حدث لزوجته الأولى.. وتصورت كيف كان يتعامل معها وكيف كانت حياته.
انتهت قصة ياسر من فترة ولكنها لم تنته بداخلى بل زادت من ألمى وجعلتنى أتذكر كل رجل تقدم لى طالب الزواج وكيف كانت تنهى الأمور.
من حقك كرجل ألا يروق لك من تقدمت لها وهناك مثل يقول "كل شىء بالخناق إلا الجواز بالاتفاق".
من حقك أن ترفض أن تكمل ولكن ليس من حقك أن تكسر إنسانًا، فحتى الرفض ينبغى أن يكون بشكل لائق وأسلوب متحضر.
عندما تتقدم للزواج من فتاة، ثم لم تجد فى نفسك رغبة فيها، لا تختفِ مثل الأشباح ولكن كن فارساً نبيلاً، واختلق أى سبب واعتذر حتى لو كذبت تجملاً أو مجاملة لكى تحافظ على مشاعرها، ربما يغفر الله لك كذبك لمجرد أنك كذبت حتى لا تجرح مشاعر أو تكسر قلب إنسان ليس له ذنب إلا أنه وافق على أن يقابلك.
قد يبدو أننى ألوم المجتمع كله على التعامل مع هذا الأمر بهذه الثقافة، فمن عادتنا أنه إذا ما رغبت أم فى زواج ابنها تقولها لفظاً "روح شوفها عجبتك ماشى معجبتكش البنات كتير". حقا ربما تكون الفتيات كثيرات ولكن كيف سيكون حالك أو رد فعلك لو كانت تلك الفتاه ابنتك؟ ولماذا الافتراض دائماً أن الرجل هو الذى يرفض والبنت إذا تعدت الثلاثين لن ترفض!!
رسالتى لكل من يعتقد أن المجتمع قد تغير وصار ينظر لتلك الأمور بطريقة أخرى فليراجع نفسه، فالثقافة الذكورية ما زالت تحكم مجتمعنا، ولا تزال هناك عائلات تعطى قطعة اللحم الكبيرة للولد وتأكل البنت ما قد يتبقى!!
كل شىء فى الحياة له قدر وميعاد إلا المشاعر والقلوب، فكسر القلب يشعر الإنسان بعدم الثقة فى نفسه ويشعر بأن العيب فيه.. اشعر كيفما شئت فمشاعرك ملك لك.. حب من تشاء واكره حتى إن أردت.. وافق أو ارفض ولكن لا تنسَ وأنت تتعامل مع الآخرين أننا بشر، نشعر، وتجرح مشاعرنا، نتألم ويظل الألم بداخلنا، نحزن وقد لا يموت الحزن بأعماقنا، فى النهاية كلنا بشر، من لحم ودم، وقبل ذلك أنا حتى وإن كنت أنثى إلا أننى ما زلت مثلك إنسانًا.
لمتابعة صفحة الكاتبة فريدة دياب على موقع "فيسبوك" Farida Diab - فضفضة مع فريدة دياب.
شكرا لمتابعتكم خبر عن أنا إنسان في بكبوزة ونحيطكم علما بان محتوي هذا الخبر تم كتابته بواسطة محرري مبتدا ولا يعبر اطلاقا عن وجهة نظر بكبوزة وانما تم نقله بالكامل كما هو، ويمكنك قراءة الخبر من المصدر الاساسي له من الرابط التالي مبتدا مع اطيب التحيات.
Tags
حواء و آدم